الحمد لله المنزه عن سمات المحدثات، الموصوف بجلال الذات والكمال في الصفات، الذي شهد بوجوده بديع صنع الأرض والسموات، ونطقت بتوحيده لسان جميع الكائنات، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، والرضا عن آله وعن أصحابه الهادين المهتدين.
أما بعد؛ فهذا شرح نفيس على حديث جليل من أحاديث أوتي جوامع الكلم صلى الله عليه وسلم، صنفه الشيخ الإمام، وقدوة الأنام، العالم العالم، البركة الكامل أبو عبد الله محمد بن يوسف السنوسي رضي الله عنه، أعتنيت به لمنتدانا العزيز خاصة، ولكل طالب علم منصف مخلص مسترشد يبتغي الحق، والله الموفق بمنّه سبحانه.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
وَصَلَّى اللهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ
قَالَ الشَّيْخُ السَّنُوسِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى:
هَذَا شَرْحٌ وَضَعْتُهُ عَلَى «لاَ إِلَهِ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ..الخ»
رَوَى البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ بِسَنَدَيْهِمَا عَنِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ أَنَّهُ «
مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ، وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ كَانَتْ لَهُ عَدْلَ عَشْرِ رِقَابٍ، وَكُتِبَتْ لَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ، وَمُحِيَتْ عَنْهُ مِائَةُ سَيِّئَةٍ، وَكَانَتْ لَهُ حِرْزًا مِنْ الشَّيْطَانِ يَوْمَهُ ذَلِكَ حَتَّى يُمْسِيَ، وَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ إِلَّا أَحَدٌ عَمِلَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ.»
وَرَوَى مُسْلِمٌ أَيْضًا بِسَنَدِهِ عَنِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ أَنَّهُ قَالَ: «
مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، عَشْرَ مِرَّات كَانَ كَمَنْ أَعْتَقَ أَرْبَعَةَ أَنْفُسٍ مِنْ وَلَدِ إِسْمَعِيلَ»
قُلْتُ: وَهَذَا الذِّكْرُ عَظِيمُ القَدْرِ، فَيَنْبَغِي لِكُلِّ مُؤْمِنٍ أَنْ يَجْعَلَ مِنْهُ وِرْدًا لِنَفْسِهِ كُلَّ يَوْمٍ، وَأَقَلُّهُ أَنْ يَذْكُرَهُ مَائَةَ مَرَّةٍ كُلَّ يَوْمٍ، فَفِيهِ تِجَارَةٌ عَظِيمَةٌ لِيَوْمِ فَاقَتِهِ.
وَلْيُحْضِرْ بِبَالِهِ مَا احْتَوَى عَلَيْهِ هَذَا الذِّكْرُ مِنْ مَعَانِي التَّوْحِيدِ،
فَإِنَّهُ قَدِ اشْتَمَلَ عَلَى عَقَائِدِ التَّوْحِيدِ كُلِّهَا بِبَرَاهِينِهَا، وَأَقَلُّ مَا يَسْتَحْضِرُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ ذَاكِرٌ أَوَّلاً وُجُوهَ الوَحْدَانِيَّةِ الثَّلَاثَةِ، وَهِيَ وَحْدَاِنيَّةُ الذَّاتِ، وَوَحْدَانِيَّةُ الصِّفَاتِ، وَوَحْدَانِيَّةُ الأَفْعَالِ، ثُمَّ ذَكَرَ بَرَاهِينَهَا عَلَى طَرِيقِ اللَّفِّ وَالنَّشْرِ المُرَتَّبِ والمَعْكُوسِ.
أَمَّا عَلَى الأَوَّلِ ـ وَهُوَ اللَّفُّ وَالنَّشْرُ المُرَتَّبُ، فَنَقُولُ: «لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ» إِشَارَةٌ إِلَى وَحْدَانِيَّةِ الذَّاتِ، أَيْ: لاَ مَعْبُودَ بِحَقٍّ إِلاَّ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ؛ إِذْ لاَ ذَاتَ تُمَاثِلُ ذَاتَهُ العَلِيَّةِ.
وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ ذَاتَهُ العَلِيَّةَ وَاحِدَةٌ وَلَيْسَ مَعَهَا ثَانٍ يُسَاوِيهَا فِي حَقِيقَتِهَا: قَوْلُهُ: «لَهُ المُلْكُ»، أَيْ: التَّدْبِيرُ التَّامُّ فِي العَالَمِ، وَجَمِيعُ المُمْكِنَاتِ مُنْقَادَةٌ لَهُ، لاَ يَتَعَاصَى عَلَيْهِ مِنْهَا شَيْءٌ، يَفْعَلُ فِيهَا مَا يَشَاءُ بِمَحْضِ اخْتِيَارِهِ، فَلَوْ كَانَ ثَمَّ ذَاتٌ مِثْلَ ذَاتِ مَوْلاَنَا العَلِيِّ لوَجَبَ أَنْ يَكُونَ لِتِلْكَ الذَّاتِ مِنَ المُلْكِ وَالتَّدْبِيرِ التَّامِّ مَا وَجَبَ لِمَوْلاَنَا جَلَّ وَعَزَّ، فَلاَ يَكُونُ إِذًا المُلْكُ لِمَوْلاَنَا وَحْدَه، بَلْ يُشَارِكُهُ فِيهِ غَيْرُهُ وَيُضَادُّهُ، وَذَلِكَ يُؤَدِّي إِلَى فَسَادِ نِظَامِ العَالَمِ وَاخْتِلاَلِهِ وَعَدَمِ تَمَكُّنِ البَارِي ـ جَلَّ وَعَزَّ ـ مِنْ إِيجَادِ مُمْكِنٍ مِنَ المُمْكِنَاتِ؛ لِأَنَّ فَرْضَ إِلَهٍ آخَرَ مَعَهُ يَسْتَلْزِمُ عَجْزَهَمَا مَعًا، اتَّفَقَا أَو اخْتَلَفَا؛ لِأَنَّهُ لاَ بُدَّ مِنْ عَجْزِ أَحَدِهِمَا حِينَئِذٍ، وَهُوَ يَسْتَلْزِمُ عَجْزَ الآخَرِ؛ لِتَمَاثُلِهِمَا، وَمُشَاهَدَةُ مُلْكِ مَوْلاَنَا ـ جَلَّ وَعَزَّ ـ وَتَدْبِيرِهِ التَّامِّ وَتَصَرُّفِهِ العَامِّ بِحَيْثُ لاَ مَانِعَ لِمَا أَعْطَى وَلاَ رَادَّ لِمَا قَضَى يَدُلُّ قَطْعًا عَلَى أَنَّهُ «لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ» جَلَّ وَعَزَّ.
فَالمَعْنِيُّ عَلَى هَذَا أَنَّهُ يَقُولُ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَدَلِيلُهُ أَنَّ لَهُ المُلْكُ، أَيْ: التَّصَرُّفُ التَّامُّ بِغَيْرِ عَجْزٍ، يَعْنِي أَنَّ التَّصَرُّفَ التَّامَّ لاَ يَكُونُ إِلاَّ لِمَنْ لَمْ يَتَّصِفْ بِالعَجْزِ، وَذَلِكَ لاَ يَكُونُ إِلاَّ لِمَنْ لاَ مِثْلَ لَهُ يُعَانِدُهُ أَوْ يُضَادُّهُ.
قَوْلُهُ: «لَهُ المُلْكُ» فِي هَذَا الذِّكْرِ يَرْجِعُ لـِ«لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ»، وَإِنَّمَا قَالَ «لَهُ المُلْكُ» بِضَمِّ المِيمِ، وَلَمْ يَقُلْ "لَهُ المِلْكُ" بِكَسْرِ المِيمِ؛ لِأَنَّ المِلْكَ بِكَسْرِ المِيمِ لاَ يَسْتَلْزِمُ التَّصَرُّفَ وَنَفْيَ العَجْزِ، فَلاَ دَلاَلَةَ فِيهِ عَلَى نَفْيِ الضِّدِّ؛ أَلاَ تَرَى أَنَّ الصَّبِيَّ الصَّغِيرَ وَالسَّفِيهَ المَحْجُورَ عَلَيْهِ وَالمَغْصُوبَ يِمْلِكُونَ وَلاَ يَتَمَلَّكُونَ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي مِلْكٍ أَصْلاٍ.
هَذَا مَا يَلِيقِ بِوَحْدَانِيَّةِ الذَّاتِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي الذِّكْرِ: «وَحْدَهُ» فَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى وَحْدَانِيَّةِ الصِّفَاتِ، أَيْ لَيْسَ ثَمَّ مَنْ يَتَّصِفُ بِصِفَةٍ تُمَاثِلُ صِفَةَ مَوْلاَنَا جَلَّ وَعَزَّ.
وَدَلِيلُ ذَلِكَ قَوْلُهُ: «لَهُ الحَمْدُ»، أَيْ: لِأَنَّ مَوْلاَنَا يَجِبُ لَهُ الثَّنَاءُ الكَامِلُ، لاَ يَشُوبُهُ نَقْصٌ أَلْبَتَّةَ، وَلاَ يَتَغَيَّرُ بِوَجْهٍ مِنَ الوُجُوهِ، وَكُلُّ مَا سِوَاهُ ـ جَلَّ وَعَزَّ ـ نَاقِصٌ عَدَمٌ مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُ، إِلاَّ أَنْ يَتَفَضَّلَ مَوْلاَنَا جَلَّ وَعَزَّ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي الذِّكْرِ: «لاَ شَرِيكَ لَهُ»، فَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى وَحْدَانِيَّةِ الأَفْعَالِ، أَيْ: لَيْسَ مَعَهُ ـ تَعَالَى ـ مَنْ يُؤَثِّرُ فِي العَالَمِ أَثَرًا مَّا، بَلْ هُوَ ـ جَلَّ وَعَزَّ ـ المُنْفَرِدُ بِاخْتِرَاعِ جَمِيعِ الكَائِنَاتِ بَدْءًا بِغَيْرِ آلَةٍ وَلاَ اسْتِعَانَةَ أَصْلاً.
وَدَلِيلُ ذَلِكَ كَوْنُهُ «عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ»، إِذْ لَوْ عَجَزَ عَن البَعْضِ ـ وَلَوْ قَلَّ ـ وَجَبَ أَنْ يَعْجَزَ عَنِ الجَمِيعِ؛ إِذْ لاَ فَرْقَ بَيْنَ المُمكِنَاتِ كُلِّهَا.
هَذَا كُلُّهُ عَلَى اللَّفِّ وَالنَّشْرِ المُرَتَّبِ، وَإِذَا جَعَلْتَهُ عَلَى اللَّفِّ وَالنَّشْرِ المَعْكُوسِ، تَرُدُّ قَوْلَهُ: «لَهُ المُلْكُ» إِلَى قَوْلِهِ: «لاَ شَرِيكَ لَهُ»، أَيْ: لَوْ كَانَ لَهُ شَرِيكٌ فِي فِعْلٍ مِنَ الأَفْعَالِ ـ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الشَّرِيكُ إلَهًا ـ لَزِمَ أَنْ لاَ يَنْفَرِدَ ـ تَعَالَى ـ بِالمُلْكِ، كَيْفَ وَهُوَ مَالِكُ المُلْكِ يُدَبِّرُهُ كَيْفَ شَاءَ مِنْ غَيْرِ تَكْيِيفٍ؟!
وَتَرُدُّ قَوْلَهُ: «وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» إِلَى قَوْلِهِ: «لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ»، أَيْ: لَوْ كَانَ مَعَ اللهِ ـ تَعَالَى ـ إِلَهٌ آخَرَ يُمَاثِلُ ذَاتَهُ العَلِيَّةَ لَلَزِمَ لِأَجْلِ تَمَانُعِهِمَا وَتَضَادُدِهِمَا، اتِّفَاقًا أَوِ اخْتِلاَفًا، أَنْ يَعْجَزَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَكَيْفَ يَصِحُّ العَجْزُ فِي حَقِّ مَوْلاَنَا «وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ بِالبُرْهَانِ اخْتِرَاعُهُ لِلْعَالَمِ وَاقْتِدَارُهُ عَلَيْهِ، فَلَزِمَ اقْتِدَارُهُ عَلَى كُلِّ مُمْكِنٍ لِعَدَمِ الفَرْقِ بَيْنَهُمَا.
وَيَخْرُجُ لَكَ مِنْ مَضْمُونِ هَذَا الذِّكْرِ الشَّرِيفِ حُدُوثُ العَالَمِ وَكُلُّ مَا سِوَى اللهِ تَعَالَى؛ إِذْ هُوَ كُلُّهُ مُلْكٌ لِمَوْلاَنَا وَمَحَلُّ لِتَدْبِيرِهِ وَتَصْرِيفِهِ كَيْفَ شَاءَ، وَلَوْ كَانَ قَدِيمًا لَمْ يَقْبَلْ أَنْ يُتَصَرَّفَ فِيهِ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ القَدِيمَ لاَ يَتَغيَّرُ، فَلاَ يَقْبَلُ أَنْ يُتَصَرَّفَ فِيهِ.
وَمِنْ هُنَا تَفْهَمُ مِنْ هَذَا الذِّكْرِ بُرْهَانَ حُدُوثِهِ لِتَغَيُّرِهِ بِتَدْبِيرِ مَوْلاَنَا لَهُ كَيْفَ شَاءَ، فَهُوَ إِذًا لاَ يَنْفَكُّ عَنِ التَّغَيُّرَاتِ، وَمَا لاَزَمَ التَّغَيُّرَاتِ فَهُوَ حَادِثٌ ضَرُورَةً.
وَأَمَّا مَعْرِفَةُ صِفَاتِ مَوْلاَنَا مِنْ هَذَا الذِّكْرِ فَظَاهِرَةٌ؛ أَمَّا قِدَمُهُ وَبَقَاؤُهُ، فَإِنَّهُ لَوْ قَبِلَ العَدَمَ لَلَزِمَ أَنْ يَحْتَاجَ إِلَى مَنْ يَخْتَرِعُهُ، فَلَزِمَ أَنْ لاَ يَكُونَ لَهُ المُلْكُ وَلاَ يَكُونَ لَهُ الحَمْدُ وَحْدَهُ، بَلْ مُحْدِثُهُ حِينَئِذٍِ يَكُونُ أَحَقَّ مِنْهُ بِالمُلْكِ وَبِالحَمْدِ.
وَأَمَّا مُخَالَفَتُهُ لِلْحَوَادِثِ، فَلِأَنَّهُ لَوْ مَاثَلَ شَيْئًا مِنْهَا لَلَزِمَ أَنْ لاَ يَنْفَرِدَ عَنْ مِثْلِهِ بِمُلْكٍ وَلاَ حَمْدٍ وَلاَ قُدْرَةٍ.
وَأَمَّا كَوْنُهُ قَادِرًا عَالِمًا مُرِيدًا حَيًّا فَظَاهِرٌ؛ إِذْ لَوْ انْتَفَتْ هَذِهِ الصِّفَاتُ أَوْ أَحَدٌ مِنْهَا لَمْ يُوجَدْ شَيْئٌ مِنَ العَالَمِ.
وَأَمَّا كَوْنُهُ سَمِيعًا بَصِيرًا مُتَكَلِّمًا فَلِأَنَّ هَذِهِ الصِّفَاتِ كَمَالٌ وَأَضْدَادُهَا نَقْصٌ، وَهُوَ تَعَالَى المُتَنَزِّهُ عَنْ جَمِيعِ النَّقَائِصِ، وَلَهُ الحَمْدُ وَالثَّنَاءُ بِكُلِّ كَمَالٍِ، وَأَنَّ مَا فِي الذِّكْرِ «لَهُ الحَمْدُ» يَدُلُّ عَلَى هَذِهِ الصِّفَاتِ الثَّلاَثِ.
وَأَمَّا ثُبُوتُ رِسَالَةِ الرُّسُلِ ـ عَلَيْهِمُ الصَّلاَةُ وَالسَّلَامُ ـ فَتُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ: «لَهُ المُلْكُ» أَيْ: التَّصَرُّفُ التَّامُّ، وَمِنَ المَعْلُومِ أَنَّ مِنْ شَأْنِ المَلِكِ تَرَدُّدُ عَبِيدِهِ بَيْنَ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ، وَلَمَّا أَدْرَكْنَا بِالضَّرُورَةِ عَدَمَ سَمَاعِنَا أَمْرَ مَوْلاَنَا وَنَهْيَهُ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ افْتَقَرْنَا إِلَى مَعْرِفَةِ الوَاسِطَةِ وَهِيَ الرُّسُلُ عَلَيْهِمُ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ، وَبَحَثْنَا عَلَى عَلاَمَةِ صِدْقِهِمْ فَأَدْرَكْنَاهَا بِمَا سَبَقَ بَيَانُهُ فِي أَصْلِ العَقِيدَةِ، وَلاَ يَخْفَى عَلَى اللَّبِيبِ اسْتِخْرَاجُ سَائِرِ جُزْئِيَّاتِ العَقَائِدِ مِنْ هَذَا الذِّكْرِ، وَقَدْ أَشَرْنَا إِلَى مَبَادِئِ ذَلِكَ، وَبِاللهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ، لاَ رَبَّ غَيْرُهُ وَلاَ مَعْبُودَ سِوَاهُ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍِ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ.