بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فإذا كان هناك جهل بسيط وجهل مركب، فإن هناك مقلدا بسيطا، ومقلدا مركبا، وكما ابتلينا في عصرنا بالجهلة المركبين، فقد ابتلينا بالمقلدين المركبين، فهم يقلدون، ولكنهم لا يعلمون حقيقة ما يقلدون به، وقد رأينا هذا المرض مستشر بين العامة، ورأينا تقليدهم للغرب في أمور كثيرة من لباس، وحركات، وأفعال، هي في حقيقتها شعارات ومبادئ لجماعات وأحزاب، فنرى أحدنا يلبس ثيابهم وشعاراتهم تقليدا لهم، لكنه لا يعلم لم هم يلبسونها، بل كل ما يعلمه هو أن عليه أن يفعل ما يفعلونه ليواكب العصر.. ومثل هذا نراه في كل يوم في مجتمعاتنا..
وللأسف فقد اعتادت أمتنا على التقليد المركب، حتى سرى من أفعال أفرادها إلى اعتقاداتهم..
وإن كان أئمتنا قد اعتمدوا القول بصحة إيمان المقلد إن جزم باعتقاده مع إثمه إن كان قادرا على الدليل، فهذا يقيد بمن عرف ما يقلد به، فهو يقلد قومه بإيمانهم، لكنه يعرف صفات الله تعالى الذي آمن به تقليدا، وإلا فإن لم يعرف الصفات المتفق عليها فكيف يصح إيمانه..؟!
وأنا حقيقة كنت أعلم أن عامة المسلمين في غالب المجتمعات إيمانهم إيمان المقلد، لكني ما كنت أعلم بوجود مقلدين مركبين في العقائد، يعيشون في ديار الإسلام، وبين المسلمين، ولكن من يعش ير..!
فقد رأيت ما لم أكن أظن أني سأراه يوما في بلاد الشام، وفي قلب دمشق، وفي أسر متدينة، وبين بنات تربين في المساجد على أيدي الآنسات (كما يطلق عليهن في بلاد الشام) الشرعيات، فهن منذ وعين يداومن الحضور في المساجد..
اجتمعت مع عشر بنات من أسر مختلفة لا علاقة لهن ببعض، سوى أنهن من أقاربي البعيدين، قرابة نسب أو مصاهرة، تتفاوت أعمارهن بين 13 و20، و درستهن العقيدة، من ((عقيدة العوام))، وقد حاولت أن أنزل لهن المستوى لأدنى حد ممكن، لأنهن قد سألنني بداية: ماذا يعني دراسة العقيدة..!! فعلمت أن أذهانهن فارغة منها..
وبعد كلام طويل عن العقيدة وأهمية دراستها، وأنها الأساس الأول في حياة المؤمن، وأن فاقدها يبني على موج، وأن حياة المؤمن كلها مبنية عليها من أدنى خاطر إلى أكبرفعل..
سألتهن: لم أنتن مسلمات؟ فقال بعضهن: لأن أهلنا مسلمون، ولو كانوا نصارى أو غير ذلك لكنا كذلك...!!
فكانت هنا الصدمة الأولى..ثم توالت الصدمات..
بدأت بصفة الوجود، فلم أجد فيها مشكلة عندهن، ثم انتقلت إلى صفة القدم، فسألتهن هل الله تعالى قديم؟
قلن: نعم.
فقلت: القدم يعني أنه لا بداية له، لا القدم الزماني، فهل الله تعالى ليس له بداية؟
قلن: لا نعلم ربما يكون له بداية، وربما لا يكون..!!
فلما أتيت على مخالفة الله تعالى للحوادث، بدأن يتحدثن عن خيالهن عن الله تعالى، فقالت إحداهن: أنا أتخيله أنه نور قوي، وهي تعني بالنور الضوء، وقالت الأخرى: أنا أتخيله شيخا كبيرا، وأخرى، وأخرى... وأنا جالسة أستعيذ بالله من كلامهن لا أريد سماعه، لكني بنفس الوقت أريد أن أعرف حقيقة اعتقادهن والشبهات العالقة في نفوسهن، لأتمكن من إزالتها..
فلما شرحت لهن الصفة، وقبل أن آتي على الأدلة غضبت إحداهن (وللعلم هي بالذات بلغت عند معلماتها أن سلمنها جلسة للأطفال تحفظهن القرآن)، وقالت بانفعال: هذا كلام لا يصح، كيف تقولين هذا عن الله، كيف علمت أن الله ليس له بداية، أو هو ليس بجسم، ولا عرض، هذا أمر ما سمعنا به من قبل، وأصلا دائما آنساتنا في الدروس الدينية إن سألناهن عن هذه الأمور ينهيننا عن السؤال، ويقلن بأننا لازلنا مبتدئات، والعقيدة لا تدرس إلا في نهاية المطاف، فعلينا ألا نسأل عن شيء يتعلق بها، بل نؤمن بالله الواحد فقط..!!
ولما أتيت على استغناء الله تعالى عن كل ما سواه، سألتهن: هل الله تعالى محتاج لعبادتنا؟ قلن: طبعا، فلماذا إذا أمرنا بالصلاة والصيام ونحو ذلك..؟!
سبحان الله..!!
لم أعد أستغرب شيئا بعد هذا من انحراف أفعال الناس وأفكارهم، بعد أن عرفت تصورهم نحو الإله، فكيف ستأتي الأخلاق الإسلامية بدون عقيدة، وكيف يصلي هؤلاء، كيف يناجون الله تعالى وهذا هو اعتقادهم به؟!
كثيرا ما رأيت وسمعت هناك عن أناس يتركون الصلاة بعد كل حادثة تصيبهم تخالف مرادهم، وكنت أستغرب هذا الفعل، فلما عرفت هذا الاعتقاد رأيته فعلا منطقيا، إذ أنهم يرون أنهم كما أن الله تعالى لم يحقق حاجتهم فهم لن يصلوا له..!!
فهل إيمان أمثال هؤلاء مقبول عند أحد من العلماء، وإذا كان هذا حال من تربين في الدروس والمساجد، فما حال باقي المجتمع..؟!
ولا أحد ينكر أن في دمشق بين الرجال الكثير من طلبة العلم الجادين الفاهمين المستقيمين بأفكارهم وعقائدهم وأفعالهم؛ لأنه لا يزال هناك الكثير من العلماء، وأما في جانب الدعوة النسائية السائدة، فحدث ولا حرج، نرى مظاهر كثيرة، وسمعة كبيرة، لكن إن دخلنا إلى العقائد بالذات رأينا العجب العجاب، لا سيما في الجيل الجديد، فجيل الأمهات مقلد بسيط وجيل البنات مقلد مركب، فكيف سيكون الجيل القادم..؟!
وللأسف ما تكاد الواحدة منهن تحفظ عدة أجزاء من القرآن، حتى تسلم جلسة للأطفال، فتحرفهم على قدر انحرافها، وهذا من جانب العقيدة، وأما الجوانب الأخرى فلا داعي لنقدها، مادام الأساس مفقود..!!
هذا تصوير لحال مجتمع من المجتمعات الإسلامية، وهي صورة غالبة على الجيل الجديد فيه، أحببت أن أصورها لكل من يهمه أمرالعقيدة الإسلامية؛ لنكون على بينة من خطورة الموقف الذي يقفه مجتمعنا، وعظم المسؤولية التي أمامنا..وللعلم فما ذكرته جزء بسيط جدا مما عاينته وسمعته من أمور يشيب لها الرأس.. فالله المستعان، وإنا لله وإنا إليه راجعون..