لا أدرى كيف سيقف أبناء الشيخ زايد بن خليفة – رحمه الله – أمام ربهم يوم القيامة حفاة عراة كما ولدتهم أمهاتهم وقد ذهب السلطان والجاه يسألهم بأى وجه وحق يمدون فرنسا بالمال مساعدة لها فى حملتها العسكرية على مالى، والتى افتتحتها بصب نيران طائراتها على المسلمين العزل الأبرياء، مما أدى لوقوع العديد من الضحايا ونزوح ما يقرب من ثلاثين ألف مواطن من ديارهم ويبدو أن حكام الإمارات قد اختاروا لأنفسهم أن يكونوا رأس الحربة فى الحرب ضد أى مشروع إسلامى محتمل فبموازاة حربها المعلنة على الحكومة المصرية لم تجد الأسرة الحاكمة الإماراتية غضاضة من تقديم يد العون للقوات الفرنسية الغازية، فقد كانت زيارة الرئيس الفرنسى هولاند لأبو ظبى قبل أيام لتفقد القاعدة الفرنسية الموجودة فى حضن إمارة "أبو ظبى" فرصة مناسبة للتقدم بطلب لـ"أشقائه" حكام الإمارة للمساعدة فى حربه ضد العدو المشترك من "مسلمى" مالى، والذى قدمه حكام الإمارات عن طيب نفس تدعيماً وتقوية للجيش الفرنسى، كما أفادت أخبار الحملة عن حرص سلاح الجو الفرنسى على تدمير المساجد والكتاتيب فى مدن الشمال المالى.
ما فعله حكام الإمارات بحق مسلمى مالى يوضح بجلاء أن أكبر التحديات التى مازالت تواجه ثورات الربيع العربى هو تحرير الإرادة العربية والإسلامية من أسر مرحلة "سايكس- بيكو" فرغم ثورات التحرير التى شهدتها البلدان العربية بداية من منتصف القرن الماضى، والتى وضعت على رأس أولوياتها القضاء على الاستعمار وأذنابه إلا أن الواقع يجزم أنها فشلت فشلاً ذريعاً فى ذلك بعد أن تحولت إلى نظم ديكتاتورية مارست القمع ضد شعوبها على مدار حوالى ستين عاماً إلى أن هبت ثورات الشعوب العربية والتى فوجئت أنها مازالت تعانى من آثار اتفاقية "سايكس – بيكو" التى هندست وضع العالم العربى فى فترة ما بعد الحرب العالمية الأولى ومهدت الطريق لظهور دولة إسرائيل فقد حرصت الدول الاستعمارية على إنشاء كيانات ودويلات حارسة لمصالحها ومانعة من تحقيق استقلال القرار الوطنى بعيدًا عن هيمنة الدول الكبرى كما كانت هذه الدويلات شوكة فى خاصرة منظمات العمل العربى المشترك كالجامعة العربية.
كما أن الإسلاميين فى مصر ودول الربيع العربى عليهم أن يكون لهم موقف واضح من هذا العدوان على مسلمى مالى إذ أن السكوت على تلك الجريمة يعد جريمة أخلاقية أربأ بالحركة الإسلامية عنها فإن ما صدر من تصريحات عن قادة فرنسا يوضح بجلاء أن الحرب فى مالى هى حرب صليبية جديدة ضد ديار الإسلام بسبب تطبيق الشريعة كما صرح الفرنسيون أنفسهم ولولا أن الإرادة الشعبية التى حملت الإسلاميين فى مصر وتونس إلى سُدة الحكم لتكرر الموقف ولكن الدول الغربية تستعيض عن الآلة العسكرية الخشنة بحرب التجويع والأزمات الاقتصادية الخانقة والإفشال الشعبى وتفجير الأوضاع الداخلية فى كلا البلدين كما نراه فى مصر بوضوح.
إن ما يجب أن تدركه الحركة الإسلامية وهى تتسلم أمانة الحكم فى بلدان الربيع العربى أن أكبر تحدٍ يواجهها اليوم هو تحرير الإرادة الوطنية بعيداً عن الهيمنة الثقافية والاقتصادية والعسكرية لمنظومة الحضارة الغربية فهى حركة مقاومة فى الأساس وقد نشأت فى بدايات القرن الماضى كرد فعل على تغول الاستعمار الغربى بعد الحرب العالمية الأولى والتى شهدت بداية التنفيذ لاتفاقية "سايكس – بيكو" وإلغاء الخلافة العثمانية وبداية موجات الهجرة الصهيونية لفلسطين.
هذا التحدى المفروض على الإسلاميين اليوم لا ينبغى مواجهته بالفكر "الحنجورى" من عينة إلقاء إسرائيل وما وراء إسرائيل فى البحر ثم نستيقظ ذات يوم وإسرائيل على بعد أمتار من غرف نومنا!! بل يجب عليها أن تسعى إلى تحرير الاقتصاد من المساعدات المذلة وتحقيق الاكتفاء الذاتى من الغذاء والدواء وأن تسعى لتصنيع سلاحها عبر نهضة علمية وتعليمية مرتكزة على أسس عقائدية وأخلاقية نابعة من داخلنا وليست متطفلة على هنا أو هناك.
ما يحدث فى مالى اليوم جريمة أخلاقية تضاف للسجل المتخم لجرائم الحضارة الغربية فى حق الإنسانية، كما سيضاف لسجل العار لبعض الأنظمة العربية والتى وجهت أموالها لذبح المسلمين فى مالى بدلاً من توجيهها لشراء الطعام والدواء للفقراء هناك وما أكثرهم !!![center]