لو دخلت بيت الأسرة المسلمة لوجدت الحال كالتالي:
أسرة مسلمة بالاسم، فلا صلاة في البيت ولا عبادة، ليس لهم من الإسلام إلا اسمه، فهم أشباح إسلام، أو ظلال دين وأبدان مسلمين، يشربون ويأكلون ويتمتعون ليس إلا... إن هم إلا كالأنعام....
وأسرة حالها والإسلام بين مد وجزر، فتارة ترى فيها الإسلام، وتارة يختفي، يظهر في المناسبات، ويتوارى في غيرها، فهي ذات دين موسمي، يوجد في المواسم لا غير، وهي قانعة بذلك، وترى أن هذا هو الإسلام... أليس الإيمان بالقلب؟!
وأسرة يغلب عليها التخليط، ترى الإسلام مبعثراً بين أرجائها، لو نظرت ناحية لوجدت المحافظة على الدين وتطبيق السنن، وفي ناحية لا بأس أن يتعامل الوالد بالربا ولو شهد الفجر وصلى الجماعة، أو أن تسافر الأم أو بنتها بغير محرم وهي تصوم الاثنين والخميس
والولد يلبس الساقط من الثياب فلا تكاد تفرق بينه وبين أخته، وشعار الأسرة
"الدين يسر لا عسر"... وأسرة محافظة، يفوح أريج الإسلام بين جنباتها، وتراقب الله في أعمالها وتبعث الأمل في غيرها.. هذه هي الشطرنجية التي تعيشها الأسرة المسلمة..
موسيقى تصويرية لصلاة الجماعة
فلنخرج من البيت ولندخل إلى المسجد...
من أراد أن يتذكر أغنية نسيها فليصل هذه الأيام بمساجدنا فسيجد ما يذكره وما يناسب ذوقه بما تبثه الهواتف النقالة من نغمات...
فإن كان حالما فسيجد فيروز، وإن كان سميعاً فسيطرب لـ "سهران لوحدي" للست، وإن كان شعبيا فالخيارات أكثر... والمضحك أن صاحبنا عندما يرن هاتفه لا يسارع إلى إغلاقه خشية على صلاته أن تبطل بكثرة الحركات...
كنا عندنا بدأت هذه الظاهرة بالظهور نتلطف في النصيحة، ثم لما ازدادت بدأنا نغلظ فيها، حتى إذا استفحلت وانتشرت تركناها يأسا منا، وخوفا على أنفسنا أن يتعدى الأمر من النصح باللسان إلى الاشتباك بباقي الجنان..
وذكر أحد الأساتذة الفضلاء أنه لما كان يصلي مرة بالناس ، رن نقال أحد المصلين بـ "فكروني" ولما انتهى من الصلاة بدأ يتكلم وينصح ويحذر مرغباً مرهباً وأن ذلك ليس من المروءة وأنه حرام... وما إن انتهى من كلامه حتى رن نقال آخر بأغنية أخرى، فجاوبه آخر بأخرى...
في كل مرة يرن فيها الهاتف النقال في المسجد بمثل هذه النغمات، أقول هذه نغمات هواتف المصلين، فكيف بنغمات غير المصلين؟!
الهاتف النقال أصبح اليوم من كواشف المروءة، فإذا أردت أن تعرف مدى مروءة فلان فاستمع لرنته المختارة لهاتفه... وهكذا يريك الهاتف النقال مدى الانفصال بين العبادة والسلوك عند المسلمين ومدى انطباق مقولة "ساعة لألبك، وساعة لربك".
بين الإمام أحمد .. وأم كلثوم
كتب أحد الإسلاميين مرة مقالاً، ثم استشهد لظهور الحق بمقالة أحمد بن حنبل المشهورة ضد خصومه المعتزلة: "بيننا وبينكم يومُ الجنائز".. ومعنى العبارة أن عدد من سيشهد جنازة أحمد بن حنبل سيكشف أن الحق مع أحمد
وهكذا كان إذ أن طرق بغداد أغلقت بالناس إلى المقبرة في جنازته... وهذا الاستشهاد من الكاتب حق ولكنه في غير زمانه لأن أحد الكتاب رد عليه قائلا: "إن من حضر جنازة أم كلثوم يفوق أعداد من حضر جنازة أحمد"، وربما صدق في قوله ولكن أخطأ الاثنان، إذ أن أمة أحمد هي غيرها أمة الست في جنازة أحمد، وفي جنازة الست أن أمة الست هي غير أمة جنازة أحمد... وهكذا هي أمتنا اليوم، أمة الست والعندليب الأسمر.