نبع الماء من بين أصابع سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَانَتْ صَلَاةُ الْعَصْرِ فَالْتَمَسَ النَّاسُ وَضُوءًا فَلَمْ يَجِدُوهُ، فَأُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِوَضُوءٍ فِي إِنَاءٍ فَوَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ الْإِنَاءِ يَدَهُ ثُمَّ أَمَرَ النَّاسَ يَتَوَضَّئُونَ مِنْهُ. قَالَ أَنَسٌ: فَرَأَيْتُ الْمَاءَ يَنْبُعُ مِنْ تَحْتِ أَصَابِعِهِ، فَتَوَضَّأَ النَّاسُ حَتَّى تَوَضَّئُوا مِنْ عِنْدِ آخِرِهِمْ.(1)
قال الإمام الباجي في المنتقى (1/139): (فَأُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِوَضُوءٍ فِي إنَاءٍ، فَوَضَعَ فِي ذَلِكَ الْإِنَاءِ يَدَهُ ثُمَّ أَمَرَ النَّاسَ أَنْ يَتَوَضَّئُوا، وَهَذَا إنَّمَا يَكُونُ بِوَحْيٍ يَعْلَمُ بِهِ أَنَّهُ إِذَا وَضَعَ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ نَبَعَ الْمَاءُ حَتَّى يَعُمَّ أَصْحَابَهُ الْوَضُوءُ، وَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ الْمُعْجِزَات وَأَبْيَنِ الدَّلَالَاتِ عَلَى صِدْقِهِ وَنُبُوَّتِهِ، وَعَلَى أَنَّ مَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَحْيٌ، لِأَنَّ إخْرَاجَ الْمَاءِ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ وَخَلْقِهِ هُنَاكَ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ إِلَّا اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَالْمُصَدِّقُ لِرِسَالَةِ نَبِيِّهِ).اهـ
قال الإمام النووي في "شرح النووي على صحيح مسلم" (15/2770): (قَوْله فِي هَذِهِ الْأَحَادِيث فِي نَبْع الْمَاءِ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ، وَتَكْثِيره، وَتَكْثِير الطَّعَام. هَذِهِ كُلّهَا مُعْجِزَات ظَاهِرَات وُجِدَتْ مِنْ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَوَاطِن مُخْتَلِفَة، وَعَلَى أَحْوَال مُتَغَايِرَة، وَبَلَغَ مَجْمُوعهَا التَّوَاتُر.
وَأَمَّا تَكْثِير الْمَاءِ فَقَدْ صَحَّ مِنْ رِوَايَة أَنَس وَابْن مَسْعُود وَجَابِر وَعِمْرَان بْن الْحُصَيْن، وَكَذَا تَكْثِير الطَّعَام وُجِدَ مِنْهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَوَاطِن مُخْتَلِفَة، وَعَلَى أَحْوَال كَثِيرَة، وَصِفَات مُتَنَوِّعَة، وَقَدْ سَبَقَ فِي كِتَاب الرُّقَى بَيَان حَقِيقَة الْمُعْجِزَة، وَالْفَرْق بَيْنهَا وَبَيْن الْكَرَامَة، وَسَبَقَ قَبْل ذَلِكَ بَيَانُ كَيْفِيَّة تَكْثِير الطَّعَام وَغَيْره).اهـ
قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (6/585): (قَالَ القُرْطُبِيُّ: وَلَمْ يُسْمَعْ بِمِثْلِ هَذِهِ المُعْجِزِةِ عَنْ غَيْرِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَيْثُ نَبَعَ المَاءُ مِنْ بَيْنِ عَظْمِهِ وَعَصَبِهِ وَلَحْمِهِ وَدَمِهِ، وَقَدْ نَقَلَ بْنُ عَبْدِ البَرِّ عَنْ المُزَنِيِّ أَنَّهُ قَالَ: نَبَعَ المَاءُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ صَلَّى اللَهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبْلَغَ فِي المُعْجِزَةِ مِنْ نَبْعِ المَاءِ مِنْ الحَجَرِ حَيْثُ ضَرَبَهُ مُوسَى بِالعَصَا فَتَفَجَّرَتْ مِنْهُ المِيَاهُ لِأَنَّ خُرُوجَ المَاءِ مِنْ الحِجَارَةِ مَعْهُودٌ بِخِلاَفِ خُرُوجِ المَاءِ مِنْ بَيْنِ اللَّحْمِ وَالدَّمِ. انتهى.
وَظَاهِرُ كَلاَمِهِ أَنَّ المَاءَ نَبَعَ مِنْ نَفْسِ اللَّحْمِ الكَائِنِ فِي الأَصَابِعِ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ الآتِي: "فَرَأَيْتُ المَاءَ يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ". وَأَوْضَحُ مِنْهُ مَا وَقَعَ فِي حَدِيثِ بْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ: "فَجَاؤُوا بِشَنٍّ فَوَضَعَ رَسُولُ اللَهِ صَلَّى اللَهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ عَلَيْهِ ثُمَّ فَرَّقَ أَصَابِعَهُ فَنَبَعَ المَاءُ مِنْ أَصَابِعِ رَسُولِ اللَهِ صَلَّى اللَهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ". مِثْلَ عَصَا مُوسَى فَإِنَّ المَاءَ تَفَجَّرَ مِنْ نَفْسِ العَصَا، فَتَمَسُّكُهُ بِهِ يَقْتَضِي أَنَّ المَاءَ تَفَجَّرَ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ المُرَادُ أَنَّ المَاءَ كَانَ يَنْبَعُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى رُؤْيَةِ الرَّائِي، وَهُوَ فِي نَفْسِ الأَمْرِ لِلْبَرَكَةِ الحَاصِلَةِ فِيهِ يَفُورُ وَيَكْثُرُ وُكَفُّهُ صَلَّى اللَهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي المَاءِ فَرَآهُ الرَّائِي نَابِعًا مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ، وَالأَوَّلُ أَبْلَغُ فِي المُعْجِزَةِ وَلَيْسَ فِي الأَخْبَارِ مَا يَرُدُّهُ، وَهُوَ أَوْلَى).اهـ
(1) أخرجه مالك في الموطأ ص23 والبخاري في صحيحه - كتاب الوضوء – باب التماس الوَضوء إذا حانت الصّلاة [حديث:169] و [195، 200، 3572، 3573، 3574، 3575] ومسلم في صحيحه - كتاب الفضائل – باب في معجزات النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم [حديث:2279] وغيرهم