يصرُّ ابن تيمية رحمه الله في كثير من المواطن على أنه لا يوجد موجود مطلقاً إلا أن يكون جسماً أو قائماً بجسم, وهذا عنده عام في الخالق والمخلوق, فكأن ابن تيمية يقول لك: هل تقول أن الله موجود أم معدوم؟؟ إن قلت أنه موجود فهو جسم, وإن نفيت الجسمية عن الله فكأنك اعتبرته معدوماً.
وإليك تصريح ابن تيمية بالجسمية في حق الله تعالى عن ذلك:
يقول رحمه الله في "تلبيس الجهمية" [1\9]: ((ما ثم موجود إلا جسم أو قائم بجسم)). وابن تيمية وإن كان ينقل هذا عن غيره فهو إنما ينقله ليقرَّه ويوافق على معناه وبين أنه الصحيح ولا صحيح سواه في الباب, والفقرة القادمة واللاتي بعدها تثبت ذلك.
فمن حيث اللغة: كلمة (موجود) في العبارة السابقة جاءت نكرة في سياق النفي فهي تفيد العموم والشمول, فيكون كلامه السابق شاملاً لكل شيء بما في ذلك الخالق والمخلوق.
على أننا لن نكتفي بدلالة اللغة على ما نتهم به ابن تيمية رحمه الله من التجسيم بل التصريح بالتجسيم, بل سنرى من خلال كلامه إثبات ما ادعيناه عليه.
وهذه الفقرة التي نقلنا منها العبارة السابقة:
((وطوائف من النظار قالوا: ما ثم موجود إلا جسم أو قائم بجسم إذا فسر الجسم بالمعنى الاصطلاحي لا اللغوي كما هو مستقر في فطر العامة وهذا قول كثير من الفلاسفة أو أكثرهم وكذلك أيضاً الأئمة الكبار كالإمام أحمد في رده على الجهمية وعبد العزيز المكي في رده على الجهمية وغيرهما: بينوا أن ما ادعاه النفاة من إثبات قسم ثالث ليس بمباين ولا محايث معلوم الفساد بصريح العقل وأن هذه من القضايا البينة التي يعلمها العقلاء بعقولهم))اهـ.
ويقول رحمه الله في الصفحة [1\93]:
((ومعلوم أن كون الباري ليس جسماً ليس هو مما تعرفه الفطرة بالبديهة ولا بمقدمات قريبة من الفطرة ولا بمقدمات بينة في الفطرة بل مقدمات فيها خفاء وطول وليست مقدمات بينة ولا متفقاً على قبولها بين العقلاء بل كل طائفة من العقلاء تبين أن من المقدمات التي نفت بها خصومها ذلك ما هو فاسد معلوم الفساد بالضرورة عند التأمل وترك التقليد وطوائف كثيرون من أهل الكلام يقدحون في ذلك كله ويقولون بل قامت القواطع العقلية على نقيض هذا المطلوب وأن الموجود القائم بنفسه لا يكون إلا جسماً وما لا يكون جسماً لا يكون [إلا] معدوماً ومن المعلوم أن هذا أقرب إلى الفطرة والعقول من الأول)) اهـ.
وكلمة (إلا) ساقطة من المطبوع, ولكن لا يستقيم السياق إلا بها, وكما سنبين في النقل عنه بعد قليل, وعلى كل الأحوال: فابن تيمية رحمه الله تعالى يقارن بين قولين:
الأول: قول من يقول أن الباري جل جلاله ليس جسماً.
والثاني: قول من يقول أنه جسماً.
ثم هو يرجح القول الثاني بأنه أقرب إلى العقول والفطرة.
ويعود ابن تيمية ليؤكد هذا المعنى في الصفحة (97) فيقول:
((بل هذا القول الذي اتفق عليه العقلاء من أهل الإثبات والنفي: اتفقوا على أن الوهم والخيال لا يتصور موجوداً إلا متحيزاً أو قائماً وهو الجسم وصفاته ثم المثبتة قالوا وهذا حق معلوم أيضاً بالأدلة العقلية والشرعية بل بالضرورة وقالت النفاة إنه قد يعلم بنوع من دقيق النظر أن هذا باطل فالفريقان اتفقوا على أن الوهم والخيال يقبل قول المثبتة الذين ذكرت أنهم يصفونه بالأجزاء والأبعاض وتسميهم المجسمة فهو يقبل مذهبهم لا نقيضه في الذات)) اهـ.
وهذا تصريح واضح بأنه لا يوجد موجود مطلقاً إلا أن يكون جسماً, بل هو يقرر أن الشرع والعقل والضرورة تثبت أن الله جسم, ولا تقبل نفي ذلك.
ونحن بدورنا نسأل الإخوة الأفاضل من أتباع ابن تيمية:
1. إذا كان الرجل يعتقد ويصر على تجسيم الله تعالى عن ذلك, ويرى أن ذلك هو الصواب الذي عليه السلف, فلماذا تجتهدون في نفي ذلك عنه؟؟ هل أنتم أعرف بالرجل من نفسه؟؟ وإن حاول أحد التلاعب بمراد ابن تيمية بلفظ الجسم وأنه ما أراد به معنى فاسداً فجوابه بما تحته خط في الفقرة الثانية من كلام ابن تيمية.
وإن لم يقتنع بما تحته خط, فعندنا نصوص لابن تيمية يصرح فيها بأنه يريد بالقائم بنفسه ما يعنيه المتكلمون بالجسم, والتي يدعي أتباعه أنه ينفيه عن الله تعالى.
2. ابن تيمية ينسب إلى الأئمة الكبار الموافقة على ضرورة كون الباري تعالى جسماً, منهم أحمد ابن حنبل وعبد العزيز المكي, ونحن نقول: أثبتوا لنا صحة نسبة هذا الكلام إلى هؤلاء الأئمة الكبار, وإلا فيكون ابن تيمية مفترياً عليهم, أو غير مطلع على مذهب السلف, وكلا الأمرين يجعل ابن تيمية غير مؤهل لأن تؤخذ عنه العقيدة.
3. يقول شيخ الحنابلة أبو الفضل التميمي في "اعتقاد الإمام المبجل ابن حنبل": (( ... وأنكر على من يقول بالجسم. وقال إن الأسماء مأخوذة بالشريعة واللغة. وأهل اللغة وضعوا هذا الاسم على كل ذي طول وعرض وسمك وتركيب وصورة وتأليف والله تعالى خارج عن ذلك كله فلم يجز أن يسمى جسماً لخروجه عن معنى الجسمية. ولم يجئ في الشريعة فبطل ذلك)) اهـ.
فهذا الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه ينكر كون الباري جسماً وينزهه عن ذلك, في حين يصر أحمد ابن تيمية على إثبات الجسمية لله تعالى ويعتبرها ملازمة لوجوده بحيث أن نفي الجسمية يعني عدم الخالق, فتبين أنه بذلك يخالف أحمد بن حنبل في ذات الله والتي هي أهم أصل من أصول العقيدة, فيلزم من هذه المخالفة تكفير أحد الأحمدين أو تبديعه, فمن تختارون؟؟.
5. الإمام الرازي رحمه الله تعالى عاش قبل ابن تيمة رحمه الله, وألف كتابه أساس التقديس, وكان يرمي به إلى نفي الجسمية عن الله تعالى والرد على المجسمة من الكرامية وغيرهم, والرازي لا يعرف شخصاً اسمه ابن تيمية حتى نقول إن بينهما أمراً ما, فعلى ذلك:
ما الذي يزعج ابن تيمية من كتاب "أساس التقديس" طالما أنه موجه للكرامية وغيرهم من المجسمة وليس إليه؟؟ وما الذي دفع ابن تيمية للرد (أو بعبارة أدق: لمحاولة الرد) على هذا الكتاب, ما مصلحته في ذلك؟؟
وأختم بقول الله تعالى: ((قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا)).
والحمد لله رب العالمين